مقالات وكتاب

لماذا ابتهج اليمنيون بعودة الحكومة؟

 

[[على الرئيس إلزام المسؤولين وأعضاء مجلس النواب بالعودة وإيقاف صرف رواتبهم بالدولار]]

ابتهج الكثير من اليمنيين بعودة الحكومة إلى عدن بعد غياب دام 16 شهراً استقرت خلالها في السعودية، وخلال تلك الفترة جرى التوقيع على اتفاق الرياض في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 ثم قبول آلية تسريع تنفيذه نهاية يوليو (تموز) 2020، وفي المقابل فإن شكوكاً كثيرة تدور في أذهان كثيرين حول نجاحها في تخطي الصعوبات التي ستواجهها نتيجة الغياب الطويل، ولعل الحادثة الإرهابية التي استهدفتها تعطي مؤشراً على حجم التحديات.

أهم التحديات هي القضية الأمنية وتوحيد كافة الأجهزة تحت قيادة واحدة وبسياسة واحدة ولهدف واحد، لأن فترة الغياب الطويلة انتجت واقعاً إدارياً ونفسياً ليس من السهل إخفائه بصور وعناق وظهور في المطاعم بين الناس، فالقضية أشد تعقيداً من هذا التسطيح وتحتاج تعاوناً كاملاً وغير مشروط من المجلس الانتقالي لإدماج قواته داخل أطر القوات النظامية التي تتبع وزارة الداخلية، ومن دون ذلك لن تجدي النوايا وحدها.

التحدي الثاني هو تقديم رؤية واقعية لمعالجة الاقتصاد المدمر والأوضاع المعيشية البائسة ويستدعي ذلك وجود جهاز رقابي فاعل ومستقل لمتابعة الإيرادات غير المنضبطة والمصروفات التي لا يعلم بها إلا القلة، وسيعطي ذلك مؤشراً على التوجه الحقيقي، ومطلوب تغيير وإعادة هيكلة البنك المركزي ومنحه الاستقلالية الكاملة، وكذلك تفعيل جهاز الرقابة والمحاسبة والأجهزة الضريبية، وتوحيد إدارات الموانئ والمنافذ التي تشرف عليها، نظرياً، مؤسسات الحكومة في عدن.

قد يتوقع المواطنون أن الحكومة تحمل وعوداً وردية وعصا سحرية وأن الأموال ستتدفق وأن الاستثمارات تنتظر الفرصة للوصول إلى اليمن، وهذا ضرب من الخيال حد الجنون، فالأوضاع المالية التي يعانيها العالم عموماً والإقليم خصوصاً ليست إيجابية، وعلى الجميع فهم أن كل مال تستلمه الحكومة هو في واقع الأمر قروض ستدفعها الأجيال القادمة، وستبقى الدولة اليمنية مجرد متسول لا تثق أي مؤسسة مالية في العالم بقدرتها على سداد ديونها أو حتى فوائدها، وهذا يعيدنا إلى الصرخة التي أطلقها أحمد محمد نعمان قبل نصف قرن حين خاطب الشعب بقوله، “إن من المقومات البديهية للدولة، أي دولة، هي مقدرتها على الصرف على موظفيها وأجهزتها، ومتى ما عجزت عن ذلك فقدت اعتبارها، بل وكيانها كدولة، وفقدت أيضاً استقلالها الحقيقي وأهدرت كرامتها وهي تقرع الأبواب طالبة مستجدية. وإذا كانت وارداتنا اليوم عاجزة عن تغطية احتياجات الباب الأول من الموازنة؛ أي الرواتب. فكيف يقدر هذا البلد أن يدخل مرحلة التطوير وتنمية الموارد؟”.

نعلم أن الصعوبات أمام الحكومة معقدة ومتداخلة بسبب غيابها الطويل والمتكرر، ما خلق تراكمات من الأوضاع المهترئة وأفقدها ثقة المواطنين في إدارتها للدولة وكيفية تحصيل الموارد الشحيحة وتوزيعها، وستتضاعف الصعوبات إذا لم يعمل مجلس الوزراء كفريق واحد بعيداً من تعميمات التنظيمات السياسية التي اختارتهم بمعايير كانت للأسف أبعد ما يمكن عن الكفاءة والخبرة المطلوبتين، واستنبطت تعبيراً سياسياً جديداً “الكفاءات السياسية”، الذي لا أجد له تفسيراً سوى الولاء الحزبي.

هذه الصورة القاتمة ليست تعبيراً عن تشاؤم وإنما مصارحة يجب أن يقف أمامها الناس لكي يقتنعوا بعزم الحكومة معالجة أوجه القصور الإداري الفاضح والفساد المستشري في أدائها المالي، ولأجل هذا يجب أن تشكل قدوة فتقوم أولاً بتحويل رواتب منتسبيها والمصروفات التي كانوا يغدقون بها على أنفسهم في الخارج لتصبح بالعملة المحلية مثل بقية الموظفين، وهذا سيسهم في توفير ملايين الدولارات التي كانت تنفقها عليهم من دون عمل لأغلبهم، وسيمنح ذلك شعوراً عند الناس بأن كبار المسؤولين مستعدون للتنازل عن قليل من امتيازاتهم الكبيرة.

اليوم يتوزع اليمنيون بين متفائل بنجاح الحكومة وأنها سفينة النجاة من العجز والفشل والإحباط منذ هروب قياداتها قبل ما يقارب 6 سنوات، ويقابلهم مشككون في قدرتها بتشكيلتها الحالية على الصمود طويلاً إزاء التحديات الموضوعية والذاتية التي يحاول المنتفعون غض النظر عن القصور الذي أحاط بولادتها. وهنا يجب التذكير بأن كل تفاصيل “الاتفاق” ثم “الآلية” التي تلته بعد أشهر من المراوغة والمماطلة والتهرب، وبعد مسار صعب ومحير تم وضع العربة أمام الحصان بضغط سعودي هائل، فتم تشكيل الحكومة قبل إنجاز الجانب الأمني من الاتفاق، وإنه لمن الواجب إعادة التأكيد أن أطراف الحكومة الحزبية انضموا إليها بقناعات وأهداف نهائية متناقضة وكان كل طرف ينفي عن الآخر شرعيته، لذا فمن المهم النظر بتجرد إلى الظروف الموضوعية الماثلة، وإن كان البعض يرغب في عدم الالتفات إليها ويصر على تجاهل تعقيداتها كما لو كانت قضايا يمكن أن يعالجها الزمن من دون عناء.

المطالبة بدعم الحكومة لا بد أن يسبقه أداء يحفز المواطنين ويستدعي ذلك أداء قوي على الأرض وتيقن من نزاهتها وليس لمجرد أنها عادت إلى الوطن، لأن الحديث عن صمودها ليس إيجابياً فهذه مسؤوليتها الأخلاقية والدستورية قبل وبعد عودتها، ولا تليق المزايدة في وصف عودتها حدثاً تاريخياً ويجب التوقف عن الإشادة بها كمنجز لأنها بذلك ستبدو مهمة تجرعتها ولم تكن راغبة بها، وحتماً ستنال الشرعية احترام وقبول الناس من دون عناء حين تكون قدوة في تصرفات مسؤوليها وتحمل أعباء المواقع المناطة بهم التي وصلوا إليها، والوفاء باليمين الدستورية التي أداها كثيرون منهم مرات عدة أمام الله وإن لم يلتزم بها البعض.

في كل الأحوال فإن نجاح الحكومة سيتوقف على قدرتها على تشكيل نموذج يبعث الأمل عند الناس من دون حاجة لالتقاط الصور في القاعات الفخمة وسيل المنشورات الساذجة في صفحات التواصل الاجتماعي، ويمكن للرئيس هادي إشاعة الأمل عند الناس باتخاذ قرار سريع وملزم لا يحتاج سوى الصدقية، فإضافة إلى أهمية الإيقاف الفوري لصرف رواتب الوزراء والمستشارين وأعضاء مجلس النواب في الخارج بالدولار، يجب احترام الدستور والالتزام بنص المادة 86 من الدستور: “يقدم رئيس مجلس الوزراء خلال خمسة وعشرين يوماً على الأكثر من تاريخ تشكيل الحكومة برنامجها العام إلى مجلس النواب للحصول على الثقة بالغالبية لعدد أعضاء المجلس”. وهنا على أعضاء مجلس النواب العودة إلى دوائرهم والعيش فيها مع الأحياء من ناخبيهم والدفاع عن الدستور والالتزام بالمدد الدستورية ومراقبة ومتابعة أعمال الحكومة ومحاسبتها عن أي تقصير.

القضايا الماثلة كلها صعبة وتستوجب شعور الناس بجدية الرئاسة ومجلس النواب والحكومة، ووجودهم الدائم داخل البلاد كمواطنين لا كزائرين، والاقتراب من المواطنين بالأفعال لا الأقوال، وبعدها يمكن المطالبة بدعم الحكومة والتطبيل لها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى