مقالات وكتاب

الجنوب.. الموعود والمشهود

كل من تابع أعمال ما عُرِفَ بـــ”مؤتمر الحوار الوطني” الذي انعُقِد بصنعاء على مدار العام 2012م ومطلع العام 2013م، وما دارت فيه من نقاشات عن مختلف القضايا وعلى رأسها القضية الجنوبية يتذكر جيداً تلك الأحاديث التي قيلت عن القضية والتوصيفات المتعددة والأقاويل المتشعبة بل والتوصيات المفصلة عن القضية الجنوبية ومآلاتها.

ومن منا لا يتذكر النقاط الإحدى عشر والنقاط العشرين، وما نصت عليه بخصوص القضية الجنوبية واللجنتين القضائيتين اللتي أُصدِر بهما قرارٌ جمهوري، بشأن معالجة قضايا المبعدين من أعمالهم، وبشأن الممتلكات والمنازل المنهوبة.

لم يكن هناك من بين المشاركين في أعمال المؤتمر من أنكر شيئاً اسمه القضية الجنوبية، بل إن الرئيس هادي كان يقول أن حل القضية الجنوبية هو مفتاح الحلول لجميع قضايا الحوار، وكان شعار المؤتمر.

المتفائلون بذلك المؤتمر كانوا يتوقعون أن تنال القضية حلًّاً عادلاً يليق بعدالتها ومشروعيتها وأحقيتها، أو على الأقل يتناغم وكمية الحبر المسكوب في مديحها والخطابات الطويلة والرنانة التي قيلت فيها، وفعلاً دار الحديث عن تمكين الجنوب من الحصول على عضوية نصف الحكومة ونصف البرلمان ونصف مجلس الشورى وعلى نصف الوظائف الحكومية وأنصاف كثيرة من أشياء عديدة، ولفترة انتخابية واحدة (أي لمدة خمس سنوات)، وطبعا لم تمر هذه التوصية بدون ضجيج اعتراض وصخب احتجاج (على هذا اللاشيء الكبير)، لكن كان أضعف التوقعات أن يتم الاتفاق على إعلان دولة اتحادية بإقليمين شمالي وجنوبي، وهو المشروع الذي أوصى به مؤتمر القاهرة الأول (نوفمبر 2011م) ثم تقدم الحزب الاشتراكي بمثله إلى مؤتمر الحوار المذكور، واقترح كثيرون أن يكون مؤقتاً حتى الاستفتاء على مصير الشراكة الجنوبية-الشمالية.

وما زلت أتذكر عشرات المقالات الاعتراضية التي تحدثت عن استحواذ الجنوب على كل شي، وأن هذا سيشكل خطراً على الشمال والمواطنين الشماليين، أو تلك التي قالت أن المقترحات والتوصيات المطروحة تجعل الأقلية الجنوبية هي من يحكم الأغلبية الشمالية، وبلغ الأمر أن كتب أحد البرلمانيين ما يقول فيه إذا كان الجنوبيون سيستحوذون على منصب رئيس الجمهورية ونصف البرلمان ونصف الوظائف ونصف الحكومة فماذا تبقى لنا نحن الشماليين؟؟ وأين سنذهب؟ هل نبحث عن بلاد أخرى نعيش فيها؟

لقد بدأ بعض الجنوبيين يصدقون هذا الوهم المنفوخ، ويخففون من تمسكهم بمطلب استعادة الدولة الجنوبية، ويتعاطون بشيء من الإيجابية مع تلك الأفكار باعتبارها تمثل نوعاً من الإقرار بعدالة القضية الجنوبية والإنصاف لضحايا حرب 1994م.

 

وكما يعلم الجميع فقد رُفِضت فكرة الدولة الاتحادية بإقليمين، وجاءت فكرة الأقاليم الستة التي رفضها الشماليون قبل الجنوبيين، وما لبثت أن أشعلت الحرب وبدلاً من أكذوبة (النصف) صار الجنوب منطقة غزو واحتلال وحرب مدمرة قضت على ما لم تقضِ عليه حرب 1994م ودمرت البنية التحتية، وأطاحت بما تبقى من معالم الدولة، من سلطة محلية ومؤسسات أمنية وقضائية ونيابة عامة ومؤسسات مالية، وأزهق أرواح أكثر من عشرين ألف نسمة من المدنيين بينهم نساء وأطفال وعجزة.

 

لم يعد الحديث عن هذه الجرائم المرتكبة بحق الجنوب والجنوبيين نوعاً من إذاعةِ أسرارٍ أو كشفٍ عن محظورات، فكل ذلك قد بدا للقاصي والداني والمحب والمبغض، وللذكي والغبي على السواء، لكن الغريب أن هناك من لا يزال يتشبث بالحديث عن “المرجعيات الثلاث” ويشدد على أن في مقدمتها “مخرجات الحوار الوطني”.

 

وعلى العموم فإن هراوة مخرجات الحوار الوطني لا ترفع إلا في وجه الجنوبيين حينما يتحدثون عن فشل محاولات “توحيد اليمن” بالتراضي مرةً وبالحرب مرةً ثانيةً، وبالغزو مرةً ثالثةً.

 

 

 

فأين الموعود من الموجود؟

 

لقد وُعِد الجنوبيون بالانفتاح الاقتصادي وبناء دولة المؤسسات والانفتاح على العالم وإقامة الدولة الديمقراطية، دولة التداول السلمي للسلطة عن طريق وحدة الاتفاق والتراضي، فكانت النتيجة الحرب والغزو والدمار ومسخ كل معلم من معالم التاريخ الجنوبي والقتل والتنكيل تجاه كل من يعترض على نتائج الغزو والدمار والإقصاء والاستبعاد والسلب والنهب، وصار التغني بالخراب يُقَدَّمُ على إنه إنقاذ للشعب الجنوبي من النظام “التوتاليتاري” .

 

وحينما وُعِدوا بالمناصفة كان الغزو الثاني والخرائب والتدمير والمذابح الجماعية هي النتيجة، فهل نواصل الرهان على وعود من لا يوفي بوعوده ولا يتمسك بعهوده؟ أم نستدل على الموعود بالموجود؟

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

* مقدمة كتابي الجديد “القضية الجنوبية . . . الموعود والمعهود” الذي سيصدر قريباً عن دار “يسطرون” بالقاهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى