مقالات وكتاب

أكذب مصدر واجهته في حياتي الصحفية!

في منتصف عام ٢٠٠٨ كنت في مهمة صحفية لمجلة أبواب التابعة لاستاذنا نبيل الصوفي عن “الإرث البريطاني بعدن” المتمثلة بالمجلس التشريعي بكريتر وفندق كريسنت وحديقة فيكتوريا وتمثالها البرونزي العتيق وسط تلك الحديقة الواقعة أمام الفندق الذي اقامت فيه الملكة البريطانية الراحلة #إليزابيث_الثانية ليلة زيارتها لعدن ١٩٥٤م
وكان لزاما البحث عن كبار السن ممن عايشوا تلك المرحلة التي زارت فيها الملكة عدن للحديث عن تفاصيل وأجواء تلك الزيارة الملكية التي ثارت حولها تكنهات كثيرة وصلت حد الادعاء بإقامة الملكة شهر عسلها مع زوجها الراحل قبلها بعام فيليب بينما زيارتها جاءت بعد سبع سنوات من زواجهما.
وعليه فقد قابلت العديد من كبار السن ممن كانوا يلعبون الضمنة يومها تحت أشجار حديقة فيكتوريا وجميعهم اشاروا لي إلى شيخ مسن كان يعمل خادما بقصر إقامة الملكة كريسنت الذي سمي بعد الوحدة بفندق الهلال وأحيلت إدارته إلى وزارة السياحة وجرى قصفه مع مكتب السياحة المجاور من قبل طيران التحالف ب٢٠١٥م
ولذلك كان علي أن أبحث عن هذا العجوز بكل الطرق حتى وصلت اليه إلى عشة يسكنها بمنطقة البنجسار بالتواهي، بعد عناء وبحث مضن وعلى أمل الحصول منه على تفاصيل تكسر الدنيا ولم يسبق نشرها صحفيا.
وفور اللقاء به تفاجأت به يطلب مني بل ويشترط قيمة مادية لحديثه معي،معتقدا انني صحفي أجنبي وأنه لا يتحدث إلا بمقابل مالي..غير أن كل ماكان بحوزتي يومها من فلوس لا تزيد على ثلاثة آلاف ريال يمني هي كل ضماري ورأس مالي ووجدت نفسي مضطرا لدفعها للشيبة، كي استغل فرصة الوصول المتعب اليه،
وفعلا وافق على مضض وطلب الذهاب معه إلى موقع الفندق ليتحدث معي من واقع الأرض، طالبا مواصلات خاصة لنقله إلى هناك، غير أن امكانياتي المالية لم تسمح بذلك، فقلت له انني ابحث عن معلومات وتفاصيل جديدة للزيارة ومكان إقامة الملكة وكيف كانت تقسم وقتها داخل عدن وفي قصرها العتيق بالتواهي الذي قيل انه انشئ خصيصا لاستقبالها وانها من أمرت بإنشائه أمام ساعة بيج بن الصغرى، بأعلى جبل فتح المشرفة على تلك الحديقة المشابهة إلى حد ما لذات الأجواء التي تقيم فيها الملكة بقصرها الملكي الرئيسي بلندن، وحتى لا تشعر بغربة المكان الجديد لاستراحتها بعدن.
المهم بالأمر.. بدأ العجوز الطاعن بالسن في الحديث معي عن كونه كان العشيق المدلل للملكة وليس مجرد خادم احتياطي استعانت به لجلب إحدى احتياجاتها من جناح حشمها الملكي المرافق لها..
فقلت لنفسي قد أكون أخطأت العنوان والرجل ليس المطلوب، غير أن دليلي في الوصول اليه أكد لي أنه هو بعينه الشايب المطلوب.
فحاولت قطع حبل أفكاره النرجسية وتوجيه سؤال مباشر له عن مكان إقامة الملكة بالقصر..وكيف كانت تقسم وقتها.. غير أنه اصر على استكمال حديثه النرجسي وصولا إلى زعمه الصادم بأن الملكة دعته إلى فراشها، وانه كان يومها شابا وسيما. وحينها تأملت في ملامحه جيدا وتخيلت له هيئته السمراء في شبابه، فلم استطع حتى خوض غمار مقارنة بين أمنياته وحجم كذبته الأكبر التي واجهتها في أغرب وأفشل مهمة صحفية بحياتي.

والأغرب ان المسن كان يتحدث بأغرب ثقة عرفتها في أكذب مصدر صحفي قذفتني أقداري إليه بالخطأ
وحينها طرقت على رأسي وقلت في قرارة نفسي: قرحت حقي الثلاثة آلاف ريال التي كنت اعتاش عليها يومها كمصاريف لأسبوع وأكثر بعدن.

وعدت من عشته بعدها مباشرة دون أن استفيد منه حتى بمعلومة واحدة بعد أن شطبت عليه كمصدر بشكل نهائي ولم اذكره بتاتا في تقريري الصحفي الذي نشرته المجلة، بعد أن اعتبرته أكذب مصدر واجهته في حياتي المهنية حتى اليوم وعلمت قبل سنوات انه قد رحل من الدنيا فسامحته ودعوت الله له بالرحمة والمغفرة وان لا يآخذه في ذنوبه مع الملكة.
#أفشل_مهمة_صحفية_وأكذب_مصدر
#ماجد_الداعري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى