مقالات وكتاب

بالتفاهم والتوافق سيصل الحوار إلى محطته الأخيرة

ليس هناك ما هو أهم وأكثر إلحاحاً وأعمق تأثيراً على مسيرة الجنوبيين الوطنية الهادفة إلى استعادة دولتهم الوطنية الجنوبية أكثر من وحدتهم وتماسك صفوفهم؛ فبذلك وحده سيتوفر لهم الشرط الحاسم للسير بثبات نحو هذا الهدف بثقة وبصورة مضمونة وآمنة مهما كانت التحديات والمخاطر؛ ولن يكون ذلك متاحاً لهم بغير الحوار الوطني الجدي والمعمق والشامل فيما بينهم؛ وعلى أسس متينة وقواعد وطنية واضحة لا تتيح المجال للمواقف الغامضة أو لمن يريد البقاء في المنطقة الرمادية؛ ولا مكان فيها أيضاً للعناوين الملتبسة التي لا تنسجم مع حق الجنوب وخياره الوطني المعلن ودون التفاف عليه بالمبررات غير المقبولة وطنياً؛ أو الدوران حول الشعارات العامة المحلقة فوق سماء الواقع والمعطيات على الأرض.

 

إن الالتزام بأهداف وثوابت القضية الجنوبية ووضوح الرؤية والموقف من كل ذلك يكسب الحوار مضمونه الوطني ويعطيه بعداً تشاركياً متماسكاً مسؤولاً غير قابل للمراوحة أو التجاذبات غير المبررة؛ كما يساعد ذلك أيضاً على وضع الآليات الفعالة للحوار دون تعقيدات ولا ترحيل للقضايا التي تدخل في جوهر وعمق ومضمون الحوار وهدفه النهائي؛ وكل ذلك يضع المسؤولية ليس على فرق الحوار القائمة وحدها فقط؛ أو لأي صيغ أخرى لإدارة الحوار في مرحلته الأخيرة قد يتفق بشأنها؛ بل هي مسؤولية كل القوى والأطراف والشخصيات المنخرطة بإيجابية وتفاعل في الحوار الوطني الجنوبي.

 

ولعله من المفيد هنا التأكيد على ضرورة ووجوب الالتزام بما يتفق عليه في كل لقاء وعدم العودة للبحث والنقاش مرة أخرى حول ما قد تم التوافق بشأنه؛ لأن هذا ببساطة لا يعني غير الرغبة في إطالة أمد الحوار والدوران حول ذات القضايا المتفق عليها؛ وربما يجعل البعض من ذلك خطاً للرجعة ليطرح موقفاً جديداً أو التنصل من موقف سبق وأن وافق عليه.

 

إن حصول أمر مثل هذا سيكون عرقلة للحوار بشكل أو بآخر؛ وتعبيراً عن الرغبة بعدم المضي بجدية وسرعة نحو المحطة الأخيرة للحوار؛ لأن السقف المفتوح لمثل هكذا حوار هو خطر على مصير الحوار نفسه؛ ولذلك فإن المسؤولية الوطنية تقتضي من الجميع الاستشعار بخطورة اللحظة وبقيمة الوقت والظروف المحيطة بالجنوب؛ وبأنهم في حالة سباق مع الزمن لإنجاز هذه المهمة الوطنية العظيمة وفي أقرب وقت ممكن.

 

فأعداء الجنوب في عجلة من أمرهم لتنفيذ مخططاتهم ولن ينتظروا حتى تتحد وتتماسك جبهة الجنوب الداخلية وتتحصن بسياج منيع من وحدة الصف والإرادة؛ لأن في ذلك وأد لكل مسببات الفتنة وإفشال مساعي دعاتها والمروجين لها من أعداء الجنوب وقضيته الوطنية وبكل الوسائل المتاحة لهم.

 

إن وظيفة الحوار الأساسية ليست فقط في كيفية تحقيق التوافق وصياغة رؤية مشتركة للمستقبل ووضع برنامج العمل الوطني لتحقيق الهدف الوطني الكبير لشعبنا الجنوبي العظيم؛ بل إن إدارة التباينات والاختلافات هي وظيفة رئيسية أخرى لا تقل أهمية عن الأولى؛ لأن الحوار الوطني الجنوبي هو حوار داخلي أساساً مهما تعددت أطرافه وتنوعت الآراء والرؤى وتباينت المواقف حول بعض التفاصيل؛ غير أن الهدف واحد والمصير مشترك والقضية واحدة؛ وحق الاجتهاد والمبادرة مشروع في طرح السبل والوسائل التي يراها كل طرف مناسبة لتحقيق الهدف؛ ومن هنا تكمن أهمية إدارة الحوار وجدارتها عبر تقريب المسافات وردم الهوة بين الآراء والرؤى؛ وتقديم الوطني على السياسي في القضايا الجوهرية والمصيرية التي لا خلاف يذكر عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى