محمد المساح
في رابطة الطلبة اليمنيين في القاهرة ، في السبعينات من القرن الماضي ، كان صوت محمد المساح مميزاً من بين كل الأصوات التي لا تقبل الرتابة في النشاط الطلابي ، وهي الأصوات التي كانت ترى أن هذا النشاط إنما يتجدد بالتفاعل مع ما يشهده اليمن من صراعات ، ومن تغيرات وتبدلات سياسية واجتماعية .
في كل فعالية سياسية تقيمها رابطة الطلبة كان المساح حاضراً وفعالاً بصورة لا تخلو من المشاكسة التي تضمر رأياً لا يحتاج إلى جهد كبير لتمييزه ، فقد كان واضح الكلمة والمعنى .
في أغسطس ١٩٦٨ حينما قام طلبة اليمن بالاعتصام في سفارة الجمهورية العربية اليمنية آنذاك بسبب أحداث أغسطس في صنعاء أتذكر كيف أنه ساهم في تحويل الاعتصام إلى تظاهرة سياسية بنشاطه الذي طالما اتسم بكسر الرتابة في تلك المواقف التي يسودها الترقب والحذر الذي كان غالباً ما ينتهي بالشجار بين المكونات السياسية ، لكن المساح ، ذو الشخصية المركبة والجذابة ، كثيراً ما كان ، بعفويته وتعبيراته الساخرة من جمود ورتابة السياسة بمعايير ذلك الزمن ، يجد مدخلاً لنقل الموقف إلى حالة مختلفة كما حدث في ذلك الاعتصام الذي كاد أن يتفجر من داخله .
أطلق عليه الشهيد عيسى محمد سيف لقب ” باكونين” ، وكان ثورياً روسياً معارضاً ومشاكساً لدرجة أن لقب بالفوضوي من قبل رفاقه ، لكنهم اكتشفوا فيما بعد كيف أن آراءه كانت أكثر الآراء الثورية انسجاماً مع الواقع .
كان المساح وهو طالب يسابق الزمن كي يتخرج ليغادر حالة الشقاء التي عاشها ، ثم وقد تبوأ مكانة في الاعلام أخذ يطالب الزمن بالتريث والانتظار حتى يأخذ اليمن الوقت الكافي للخروج إلى العصر .
لكن الزمن استهلك الاحلام ومعها اليمن ، ورحل المساح ، وسيظل نداءه الذي خاطب به الزمن ،” لحظة يا زمن” – حينما بدا له أن اليمن يسير بخطى أبطأ من حراك الزمن – لسان حال اليمنيين إذا لم ينتبهوا لحقيقة أن الزمن لا ينتظر أحداً .
رحم الله محمد المساح وخالص تعازينا لأولاده واسرته ، وكافة محبيه .