عربية ودولية

تونس تتقرب من روسيا ولا تريد الابتعاد عن الغرب

وزير الخارجية ينفي من موسكو قطع التواصل مع صندوق النقد.

تأتي زيارة وزير الخارجية التونسي نبيل عمار إلى موسكو في ظل توتر العلاقات بين بلاده والاتحاد الأوروبي وبرود مع الولايات المتحدة، إلا أنه تعمد تأكيد حرص بلاده على الانفتاح على جميع الشركاء، فيما يبدو أنها رسالة طمأنة للشركاء التقليديين.

موسكو – حرص وزير الخارجية التونسي نبيل عمار على إظهار أن زيارته إلى موسكو تندرج في سياق الانفتاح على جميع الشركاء وليست توجها نحو الشرق، في رسالة يبدو أن الهدف منها طمأنة الشركاء الأوروبيين بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى الولايات المتحدة رغم ما يتواتر من أنباء بشأن وقوفها خلف عرقلة قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد للبلاد.

وقال نبيل عمار، الثلاثاء، في ندوة صحفية مع نظير الروسي سيرجي لافروف بمناسبة زيارة عمل إلى موسكو، إن تونس على تواصل وتعاون مع جميع شركائها و”ليس من تقاليد تونس الدبلوماسية رفض شريك لحساب شريك آخر”. وأضاف نبيل عمار، في هذا السياق، “لدينا قنوات اتصال وحوار مع شركائنا ولم نقل يوما إننا قطعنا جسور التواصل مع صندوق النقد الدولي”.

وأوضح أن أمن البلاد واستقرارها وحماية الفئات الاجتماعية الهشة هي خطوط حمراء في سياسة تونس الداخلية، وهي مواضيع يمكن النقاش في إطارها مع الشركاء، وبينهم صندوق النقد الدولي، الذي قال إنه “يجب أن يكون في خدمة مصالح الدول وليس العكس”.

◙ روسيا رفعت من حجم شراءاتها للسلع التونسية وخاصة منها المواد الفلاحية والنسيج ودعمت السياحة

وتشهد تونس أزمة اقتصادية غير مسبوقة. وتتفاوض الحكومة منذ نحو سنتين على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار. وفي حين يرجع البعض تأخر الاتفاق مع صندوق النقد بسبب رفض تونس لبعض الشروط من بينها رفع الدعم عن بعض المواد الأساسية مثل الخبز، ربطت ستيفانيا كراكسي رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الإيطالي تأخر الاتفاق بعراقيل تضعها الولايات المتحدة.

وقالت كراكسي في ختام زيارتها إلى واشنطن إن موقف الولايات المتحدة الأميركية بشأن تونس لا يزال “صعبا للغاية وفي الوقت الحالي لا يوجد مخرج”. وأضافت أن تونس تواجه صعوبة كبيرة والوضع فيها معقد، مضيفة “للحصول على شيء حتى في مجال حقوق الإنسان من الضروري الاستمرار على طريق الحوار الذي يمثل حاليا السبيل الوحيد”.

وتبذل إيطاليا منذ فترة جهودا لتسهيل حصول تونس على القرض سواء مع الولايات المتحدة أو مع صندوق النقد، لكنها لم تنجح في تحريك الجمود. وتخشى روما تدهور الوضع الاقتصادي في تونس وهو ما سيكون له  تأثير مباشر على الوضع الأوسع المتعلق بزيادة تدفقات الهجرة نحو إيطاليا. وفي إشارة إلى أزمة المهاجرين، شدّدت كراكسي على أنه سيكون من الضروري وضع إستراتيجية فورية لمكافحة المتاجرين بالبشر، موضحة أن كل هذا يجب أن يكون مصحوبا بعمل يسمح بالتوصل إلى اتفاقيات مع بلدان المصدر.

وتابعت “هذه هي الجبهات الأولى التي يجب العمل عليها وإيطاليا ستقوم بدورها.. ولكن بدون جهود متضافرة من جميع البلدان المتقدمة والمنظمات الدولية ستكون الهجرة ظاهرة لا يمكن وقفها وتخاطر بإرباكنا”. ووقّعت تونس والاتحاد الأوروبي بقيادة رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني اتفاقا بشأن الهجرة في يوليو الماضي. لكن الاتفاق يبدو أنه معطل حيث يشترط تقديم تمويلات لتونس بعد حصولها على قرض صندوق النقد.

وأدى تعثر تطبيق الاتفاق وتسييل التمويلات المطلوبة، إلى توتر العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي. وطلبت الرئاسة التونسية تأجيل زيارة وفد من المفوضية الأوروبية لتونس بعد أيام على الإعلان عنها ضمن مساعي احتواء التدفق الكبير للمهاجرين عبر البحر المتوسط. وقال بيان من الرئاسة ليل الاثنين – الثلاثاء إن الرئيس قيس سعيد كلف وزير الخارجية نبيل عمار بإبلاغ الجانب الأوروبي بقرار تأجيل زيارة وفد المفوضية الأوروبية إلى موعد لاحق يتم الاتفاق عليه بين الطرفين.

وفي رد على سؤال حول أزمة الهجرة غير النظامية في منطقة المتوسط، قال وزير الخارجية إن معالجة هذه الظاهرة تتجاوز قدرات أي دولة بمفردها، وبين أن تونس تتبنى في هذا الموضوع مقاربة شاملة تتطلب تضافر جهود كل الأطراف المعنية بتدفق المهاجرين، بهدف محاربة الأسباب العميقة التي أدت إلى الوضع الحالي. وفي سياق آخر، لاحظ نبيل عمار أن المحادثات مع نظيره الروسي تطرقت إلى مواضيع تهم التعاون والمشاورات السياسية بين البلدين.

وقال إن مجالات التعاون الثنائي بين البلدين مفتوحة لتعزيزها أكثر فأكثر، مبرزا أنه لا توجد أي عوائق لتعزيز الشراكة بينهما، لاسيما بعد الركود الذي شهدته بسبب أزمة كوفيد-19. كما لاحظ الوزير تطابق وجهات النظر فيما يهم القضايا الدولية والإقليمية الآنية ذات الاهتمام المشترك، ومن بينها القضية الفلسطينية والملف الليبي وموضوع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن روسيا تساند جهود الإصلاح في تونس لدفع الاقتصاد ولحماية الدولة. وأكد لافروف أن روسيا وتونس تحدوهما الرغبة المشتركة في تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، مثل التكنولوجيا والطاقة النووية المدنية، فضلا عن استكشاف فرص جديدة للشراكة. وقال في هذا السياق “إن تونس من الشركاء المهمين لروسيا في القارة الأفريقية (..) حيث تخطى حجم المبادلات التجارية بين البلدين 1.2 مليار دولار خلال النصف الأول من 2023”.

ولاحظ أن روسيا رفعت من حجم شراءاتها للسلع التونسية وخاصة منها المواد الفلاحية والنسيج ودعمت السياحة مع تونس ليصل عدد السياح الروس بتونس إلى أكثر من 600 ألف سائح قبل جائحة كوفيد – 19. كما بين أن تونس رفعت من شراءاتها للحبوب الروسية، معلنا أنه وقّع إرسال الدفعة الأولى من الحبوب إلى تونس. وكانت وزارة الشؤون الخارجية ذكرت الاثنين في بلاغ أن زيارة نبيل عمار إلى موسكو يومي السادس والعشرين والسابع والعشرين من سبتمبر الحالي تندرج في إطار الرغبة المشتركة للبلدين في تطوير علاقات التعاون الثنائي.

وأضافت أنها ستمثل مناسبة لدعم المساعي الأفريقية الهادفة إلى حل الخلاف الروسي – الأوكراني في إطار المبادرة الأفريقية للسلام، فضلا عن معاضدة الجهود الأممية والدولية لإحياء اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود. وكان وزير الشؤون الخارجية مرفوقا خلال هذه الزيارة بالرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب.

 

 

المصدر: صحيقة العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى