عربية ودولية

زيارة ترامب للخليج ـ دبلوماسية وتجارة وعلامات استفهام كثيرة؟

في أول جولة خارجية له منذ عودته للبيت الأبيض اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زيارة دول الخليج، في محطات كان عنوانها الأبرز الصفقات الاقتصادية الضخمة والإعلان عن اختراقات دبلوماسية مُفترضة في الملفين السوري والإيراني.

لماذا لم تتضمن الجولة زيارة إسرائيل؟

المثير أيضا في جولة ترامب هو استثناء إسرائيل منها، وهي الحليف الاستراتجي الأول لواشنطن في المنطقة، ما فسره مراقبون بأنه قد يكون مؤشر “ضجر” من قبل ترامب في علاقته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بسبب تواصل حرب غزة؛ بالرغم من رغبة ترامب في إنهائها.

غير أن مسؤولين في واشنطن سربوا معلومات مفادها أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية قوية، رغم خيبة أمل ترامب تجاه نتنياهو.

موقع المجلة الإخبارية “ز د ف ـ هويته” (ZDF heute) التابعة للقناة الألمانية الثانية كتب معلقا بهذا الشأن (الثلاثاء: 13 مايو/ أيار 2025): “بالرغم من أن زيارة إسرائيل قد تكون من الناحية الجغرافية خطوة منطقية، إلا أن التوقف هناك تم استبعاده من جولة ترامب هذه المرة. صحيح أن القضايا الاقتصادية والصفقات تتصدر جدول أعمال هذه الرحلة، إلا أن الوضع في منطقة الخليج تطغى عليه الأزمات السياسية، وتحديدًا الحرب في غزة والتهديد النووي الإيراني (..) فلماذا إذًا لم يبرمج لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟ بعض الخبراء يُرجعون ذلك إلى محاولات ترامب غير الناجحة حتى الآن لإنهاء الحرب ضد حماس في قطاع غزة. ويُقال إن العلاقة مع نتنياهو قد توترت بسبب الخلافات حول النهج العسكري. إلا أن مكتب نتنياهو نفى هذه التقارير”.

جولة ترامب تربك حسابات نتنياهو؟

الحاضر/ الغائب في جولة ترامب هي إسرائيل وهي محطة تقليدية لكل رئيس أمريكي إلا أنها غابت في هذه الجولة. وتزامن ذلك مع سلسلة من تصريحات ترامب، أحدتث ارتدادات في الداخل الإسرائيلي؛ لأنها بدت وكأنها كسرت عددا من الافتراضات حول رؤية واشنطن للمنطقة. وقد التزمت الدولة العبرية صمتا دبلوماسيا “ثقيلا” لحد الآن. ترامب لم يبالِ برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الغارق في حرب غزة، مؤكدا مجددا أنه رئيس يعطي الأولوية لصفقاته التجارية مع دول الخليج الغنية، بما في ذلك قطر، التي يتهمها الإسرائيليون بدعم حركة حماس.

سلوك ترامب فاجأ المراقبين خصوصا وأنه سمح بمفاوضات مع الحوثيين في اليمن، ودخل أيضا في محادثات مع إيران حول برنامجها النووي بل وحتى حركة حماس، ما سمح بإطلاق سراح الرهينة الأمريكي-الإسرائيلي عيدان ألكسندر. وفي خطوة فاجأت على ما يبدو الإسرائيليين، أعلن ترامب من الرياض رفع العقوبات عن سوريا التي تعتبرها إسرائيل نظاما جهاديا يهدد المنطقة.

وبهذا الصدد كتبت صحيفة “أفتونبلادت” السويدية معلقة (الخميس: 15 مايو/ أيار) “اختيار السعودية كأول وجهة خارجية لزيارة رسمية لترامب يحمل دلالات رمزية، خصوصًا أن المملكة لا تعترف بدولة إسرائيل (..) (..) في ظل الحرب الإسرائيلية المتصاعدة، التي تُشنّ ضد شعب فلسطيني مُرهق يعاني من نقص حاد في كل شيء. ومنذ عشرة أسابيع، أوقفت إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. الشخص الوحيد القادر فعليًا على إيقاف خطط الحكومة الإسرائيلية التدميرية هو دونالد ترامب. لم يكن ليتخيل أحد أن يصل الأمر إلى هذه النقطة. لكن الحقيقة أن الرئيس الأمريكي بدأ فجأة يشعر بالتعب من نتنياهو”.

روسيا ـ سعي ألماني لبلورة موقف غربي موحد

العدوان الروسي على أوكرانيا، كان حاضرا أيضا في جولة ترامب، فمن برلين عبّر المستشار فريدريش ميرتس عن عزمه العمل من أجل بلورة موقف غربي عبر ضفتي الأطلسي في المفاوضات الأوكرانية الروسية. وتم الكشف عن رؤية ميرتس هذه في أول بيان حكومي يلقيه المستشار الجديد أمام البرلمان الاتحادي “بوندستاغ” (الأربعاء: 14 مايو/ أيار). وسبق لميرتس، في أكثر من مناسبة، أن حذر من مخاطر انقسام المواقف الغربية تجاه القضايا الدولية. ويأتي موقف برلين هذا في ظل الانطباع السائد بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة لفلاديمير بوتين على حساب أوكرانيا. وبهذا الصدد قال ميرتس: “سأواصل بذل كل جهد ممكن من أجل تحقيق أكبر قدر من الوحدة بين الشركاء الأوروبيين والأمريكيين (..) نأمل ونعمل جميعا بجد على أن يتمسك الجميع في أوروبا بهذا الموقف الواضح، وأن يشاركنا فيه شركاؤنا الأمريكيون أيضا”.

وبهذا الشأن كتب موقع “ميركور.دي.إي” الألماني (الأربعاء: 14 مايو/ أيار) معلقا: “بالطبع، فإن بوتين سيسعى لمواصلة حربه، لكنه في الوقت نفسه لا يريد أن يفقد دعم ترامب (..) زعيم الكرملين بات يواجه مشكلة ثانية: انتخاب فريدريش ميرتس مستشارًا يضع حدًا لفترة الانقسام الأوروبي بشأن السياسة الصحيحة المتبعة تجاه أوكرانيا. فقد كانت الغيرة الصبيانية بين شولتس وماكرون على مدى ثلاث سنوات بمثابة دعوة للكرملين لاختبار تماسك أوروبا، وقد تحقق له ما أراد: لم تكن برلين مستعدة لتقديم أكثر من المساعدة وفق شعار “أقل عدد ممكن من الأسلحة، وفي وقت متأخر قدر الإمكان (..)”. هذا سيتغير مع ميرتس، وبالتالي ستتغير أيضًا حسابات الربح والخسارة بالنسبة لبوتين: فالعوائد المتوقعة لروسيا من استمرار الحرب ستنخفض، بينما سترتفع التكاليف”.

الشرع ـ من لوائح الإرهاب إلى الشراكة مع ترامب

لا شك أن اللقاء بين دونالد ترامب والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع (الأربعاء: 14 مايو/ أيار) في الرياض يعتبر من المحطات المثيرة في جولة ترامب الشرق أوسطية، خصوصا وأن الشرع كان زعيما في تنظيم القاعدة في العراق، بل وأمضى فترة من حياته في السجن الأمريكي هناك قبل انضمامه للمعارضة السورية، قبل الإطاحة بنظام بشار الأسد. الاجتماع بين الرجلين تُوج بالإعلان عن رفع العقوبات الأمريكية على سوريا، ما اعتبره المراقبون إنجازا دبلوماسيا كبيرا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان وكذلك دعما كبيرا للنظام الجديد في دمشق سيساعده على تعزيز سلطته في بلد ممزق سياسيا ومفلس اقتصاديا. حدوث اللقاء يعتبر في حد ذاته إنجازا هائلا للشرع وتعزيزا لشرعيته، وهو الذي اشتهر لفترة غير قصيرة باسم أبو محمد الجولاني قائد جبهة النصرة، وهي جماعة معارضة قاتلت نظام الأسد، لكنها ظلت لسنوات الجناح الرسمي لتنظيم القاعدة في بسوريا”.

موقع “تاغسشاو دي.إي” التابع للقناة الألمانية الأولى (ARD) كتب بهذا الصدد معلقا (الأربعاء: 14 مايو/ أيار): “رفع العقوبات سيؤدي إلى تأثيرات اقتصادية وجيوسياسية واجتماعية. سيكسب كل من السعودية وتركيا، وربما أيضًا قطر والإمارات العربية المتحدة، نفوذًا متزايدا في سوريا كمستثمرين كبار، وسيتم تهميش إيران. يمكن أن يساهم ذلك في تحقيق المزيد من الاستقرار في المنطقة بأكملها، هذا تطور إيجابي” يقول الموقع. غير أنه استطرد موضحاً أن “هناك مؤشرات على أن الرئيس الانتقالي السوري يرى في مموليه قدوة يُحتذى بها في نموذجهم الاقتصادي والمجتمعي “الإسلامو-رأسمالي”. اقتصاديًا، قد يكون ذلك منطقيًا، لكن اجتماعيًا سيكون خطيرًا. فكل من دول الخليج الغنية وتركيا تمثل هيمنة سنية، في بلدانها وفي المنطقة. وحرية الرأي وحقوق الإنسان وحماية الأقليات لا تحظى بأهمية تُذكر هناك”.

النووي الإيراني ـ اتفاق قاب قوسين أو أدنى؟

اختارت إدارة ترامب دائما سياسة “الضغوط القصوى” تجاه طهران وفرضت عليها عقوبات متجددة، غير أنها وفي خطوة مثيرة، بدأت مفاوضات مع المسؤولين في الجمهورية الإسلامية التي تسعى إلى رفع تلك العقوبات، التي أدت إلى انهيار اقتصاد البلاد.

وفي تطور أكثر إثارة أشار الرئيس ترامب إلى أن واشنطن تقترب من إبرام اتفاق مع طهران بشأن برنامجها النووي، ملوحا في الوقت نفسه بـ”العصا”، حين عبر عن تفاؤله بشأن إمكان تجنّب ضربة عسكرية على مواقع طهران النووية وقال ترامب: “أعتقد أننا نقترب ربما من إبرام اتفاق (مع إيران)”، مضيفا: “لا يمكنها أن تمتلك سلاحا نوويا (..) ربما قرأتم اليوم الأخبار المتعلقة بإيران. لقد وافقت نوعا ما على الشروط”.

وقبل ذلك أعلن علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الأربعاء (14 مايو/ أيار) أنّ بلاده مستعدة لإبرام اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عنها فورا. وأضاف أن إيران تتعهّد بعدم تصنيع أسلحة نووية أبداً، والتخلص من مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب، وتخصيب اليورانيوم حصرا إلى المستويات الضرورية للاستخدام المدني، والسماح للمفتشين الدوليين بالإشراف على العملية، وذلك كله مقابل الرفع الفوري لجميع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران”.

وقد شدد ترامب مرة أخرى على أنه يريد لإيران أن تنجح وأن تصبح دولة عظيمة، وقال: “لكن لا يُسمح لها بامتلاك أسلحة نووية”. وأوضح أن هذا الهدف يمكن تحقيقه بطريقتين: “بالطريقة اللطيفة” أو “بطريقة عنيفة – عنف لم يشهده الناس من قبل”. وأشار الرئيس الأمريكي إلى أن كثيرين يحاولون دفعه إلى اتخاذ موقف متشدد تجاه إيران، لكنه لا يرغب في ذلك. صحيفة “تاغسشبيغل” الألمانية (الخميس: 15 مايو/ أيار) علقت محذرة: “يمكن وضع “لكن” كبيرة وراء كل نجاح مزعوم لترامب. فقد أشعل هو نفسه النزاع التجاري بفرضه تعريفات جمركية مرتفعة بشكل غير معقول. كما تواصلت الحرب في غزة ضد حماس مباشرة بعد إطلاق سراح عيدان بنفس القسوة. أما بالنسبة لزيارته للشرق الأوسط، التي كان الموضوع الرئيسي فيها هو البرنامج النووي الإيراني، فذلك يعود أيضًا له. ففي فترته الرئاسية الأولى، قام بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، الذي تم التوصل إليه بعد مفاوضات شاقة. كما أظهرت الهدنة الهشة مع الحوثيين في اليمن، حدودها يوم الأربعاء، عندما تم تفعيل أجراس الإنذار بسبب إطلاق صواريخ (من اليمن) على إسرائيل مرة أخرى”.

تحرير: صلاح شرارة

الكاتب: حسن زنيند

مقالات ذات صلة

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى